الجحيم العربي… حين وعت موريتانيا الدرس قبل فوات الأوان"
"الجحيم العربي… حين وعت موريتانيا الدرس قبل فوات الأوان"
في مطلع عام 2011، شهد العالم العربي ما سُمي حينها بـ"الربيع العربي"، حين خرجت جماهير في عدد من الدول تطالب بالتغيير والإصلاح، لكن سرعان ما تحولت تلك الآمال إلى كوابيس، وأحلام الحرية إلى مشاهد من الفوضى والانقسامات والدماء، فسقطت دول في أتون الحروب الأهلية، وضاعت أخرى بين صراعات داخلية وتدخلات خارجية.
كنت آنذاك أتابع المشهد عن قرب، ورأيت أن ما يُسوّق له تحت مسمى "الربيع" لم يكن سوى جحيم عربي يهدد الأمن والاستقرار، فاخترت أن أرفع الصوت عالياً ضد هذه الموجة المدمرة، مؤمناً بأن التغيير الحقيقي لا يكون بالفوضى، بل بالتفكير، والتخطيط، والبناء.
انطلاقاً من هذا الوعي، بادرتُ مع مجموعة من الزملاء بمدينة أنواذيبو إلى تأسيس مبادرة سميناها "مبادرة التغيير البنّاء"، هدفها توعية وتحسيس الشباب بخطورة الانجرار وراء الشعارات الرنانة التي كانت تدغدغ العواطف وتستغل الحماس. كنا ننظم لقاءات واجتماعات مفتوحة في الأحياء والمدارس، نحاور الشباب ونشرح لهم أن ما يجري في محيطنا العربي ليس ثورةً للحرية بقدر ما هو انزلاق إلى المجهول تديره أيادٍ خفية تسعى إلى ضرب استقرار الأوطان.
لقد حاولت بعض القوى السياسية في بلادنا في تلك الفترة استنساخ الفوضى واستغلال حالة الغليان الإقليمي لتأجيج الشارع الموريتاني، لكن وعي الشعب، وحكمة القيادة، ويقظة مؤسسات الدولة، حالت دون تحقيق تلك الأهداف.
فقد تبنت الدولة حينها سياسات واستراتيجيات ناجعة لتعزيز الحوار الوطني، وفتح قنوات التعبير السلمي، ودعم المبادرات الشبابية، وتكثيف البرامج التنموية التي استوعبت طاقات الشباب وأعادت الثقة في الدولة ومؤسساتها.
إن تجربة موريتانيا في مواجهة ما سمي بـ"الربيع العربي" كانت نموذجًا فريدًا في العالم العربي، إذ أفشلت مشروع الفوضى بذكاء وهدوء، من خلال الإصغاء للمطالب المشروعة ضمن الأطر السلمية والقانونية، دون الانجرار إلى الفتن أو الشعارات المضللة.
واليوم، بعد مرور أكثر من عقد على تلك الأحداث، يمكننا أن نقول بثقة إن موريتانيا ربحت رهان الاستقرار لأنها اختارت طريق التغيير البنّاء على حساب التغيير الهدّام، وأدركت باكرًا أن الحرية بلا مسؤولية تتحول إلى فوضى، وأن الإصلاح لا يتحقق إلا عبر الوعي والحوار والعمل الجماعي.
لقد كان "الربيع العربي" جحيمًا أحرق أوطانًا كثيرة، لكن موريتانيا، بفضل وعي شعبها وقيادتها، نجت من لهيبه، وواصلت مسيرتها نحو الإصلاح والنماء بخطى ثابتة ومتوازنة.
الناشط الجمعوي سعدن ول الشيخ
انواذيبو بتاريخ 18/11/2025



0 Comments: