نواذيبو الاقتصادية بين نبض التنمية ومخاطر التلوث البيئي
تُعدّ مدينة نواذيبو القلب الاقتصادي النابض لموريتانيا، بما تحتضنه من موانئ استراتيجية، ونشاط صيد بحري واسع، وشركات صناعية وتجارية أسهمت لعقود في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل. غير أنّ هذا الدور الحيوي بات مهدّدًا بتنامي مظاهر التلوث البيئي الناتج عن وجود شركات ومصانع تُمارس أنشطة مُضرّة بالصحة العامة وبالبيئة الحضرية للمدينة.
لقد أصبحت معاناة الساكنة من الانبعاثات السامة، وتلوّث الهواء والمياه، والضجيج الصناعي واقعًا يوميًا، ينعكس سلبًا على صحة المواطنين، خاصة الفئات الهشة من أطفال وكبار سن، فضلًا عن تأثيراته المباشرة على الثروة السمكية التي تُعدّ عماد الاقتصاد المحلي. كما أن استمرار هذا الوضع يُنذر بتحويل المدينة من فضاء جاذب للاستثمار إلى بيئة طاردة للسكان ورؤوس الأموال على حدّ سواء.
إنّ التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في إيقاف عجلة التنمية، بل في إعادة تنظيمها على أسس مستدامة توازن بين متطلبات النمو الاقتصادي وحق المواطنين في بيئة سليمة. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى وضع آلية حديثة وفعّالة للحد من الأنشطة الصناعية الملوِّثة داخل النطاق الحضري، من خلال نقل المصانع الضارّة بالصحة إلى مناطق صناعية مهيّأة، بعيدة عن التجمعات السكنية، ومزوّدة ببُنى تحتية تسمح بالتحكم في النفايات والانبعاثات وفق المعايير البيئية المعتمدة.
كما يتطلّب الأمر تشديد الرقابة البيئية، وتفعيل القوانين الزجرية بحق المخالفين، مع اعتماد تقنيات حديثة لمعالجة النفايات الصناعية، وإلزام الشركات باحترام دراسات الأثر البيئي قبل الترخيص أو التوسعة. ولا يقلّ أهمية عن ذلك إشراك المجتمع المدني والساكنة المحلية في مراقبة الأداء البيئي، وتعزيز الشفافية في نشر المعطيات المتعلقة بالتلوث ومخاطره.
إن حماية نواذيبو من التدهور البيئي ليست ترفًا ولا مطلبًا ثانويًا، بل هي شرط أساسي لاستدامة دورها كشريان اقتصادي لموريتانيا. فالتنمية الحقيقية هي تلك التي تحفظ صحة الإنسان، وتصون البيئة، وتضمن للأجيال القادمة حقها في مدينة آمنة ونظيفة، قادرة على مواصلة العطاء دون أن تدفع ثمنه من صحة أبنائها ومواردها الطبيعية.
الكاتب الاعلامى: سيد أحمد ولد الكرومى



0 Comments: