المرأة الصحفية بين الكفاءة المؤكدة وسقف الفرص المحدود

 المرأة الصحفية بين الكفاءة المؤكدة وسقف الفرص المحدود

رغم التحولات العميقة التي يشهدها المشهد الإعلامي العالمي، ورغم الحضور المتزايد للمرأة في غرف الأخبار والمنصات الرقمية وميادين التغطية الصعبة، ما تزال الصحفية تواجه أشكالًا متعددة من التهميش المهني، تتخذ أحيانًا طابعًا صامتًا وأكثر تعقيدًا من الإقصاء المباشر. هذا التهميش لا يعكس نقصًا في الكفاءة أو الخبرة، بقدر ما يعكس بُنى ثقافية ومؤسسية لم تواكب بعد التطور الحقيقي لدور المرأة في الإعلام.

لقد أثبتت المرأة الصحفية جدارتها في شتى الميادين: من التحقيقات الاستقصائية، إلى الصحافة السياسية والاقتصادية، مرورًا بتغطية النزاعات والأزمات، وصولًا إلى الإعلام الرقمي وصحافة البيانات. ومع ذلك، غالبًا ما يتوقف هذا التميز عند “سقف زجاجي” غير معلن، يحول دون تكليفها بالملفات “الثقيلة” التي ما تزال تُصنَّف – خطأً – على أنها حكر على الرجال.

يظهر التهميش بوضوح في الفجوة بين الحضور والتمثيل؛ فالنساء يشكّلن نسبة معتبرة من العاملين في المؤسسات الإعلامية، لكن تمثيلهن في المناصب القيادية يظل ضعيفًا. كما تتجلى المشكلة في النظرة النمطية التي تختزل الصحفية في أدوار محددة، أو تربط تقييم أدائها بعوامل شكلية لا علاقة لها بالاحترافية.

ومع صعود الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، برز تحدٍّ إضافي يتمثل في العنف الرقمي وخطاب الكراهية الموجَّه ضد الصحفيات، خاصة عند تناولهن قضايا حساسة أو كسرهن للخطوط الحمراء الاجتماعية والسياسية. هذا الواقع لا يهدد فقط سلامتهن النفسية والمهنية، بل يفرض عليهن أحيانًا رقابة ذاتية تحدّ من جرأة الطرح وحرية التعبير.

فتمكين المرأة الصحفية لا يعني منحها امتيازًا، بل تصحيح مسار يضمن توظيف الكفاءة حيثما وُجدت، دون تحيّز أو إقصاء.

إن تجاوز تهميش المرأة الصحفية يتطلب إرادة مؤسسية حقيقية، تبدأ بسياسات واضحة للمساواة، وتمر ببيئات عمل آمنة وداعمة، وتنتهي بتغيير الثقافة المهنية التي تقيس الصحفي بإنجازه لا بجنسه. فصحافة المستقبل، إن أرادت أن تكون أكثر مصداقية وشمولًا، لا يمكنها الاستغناء عن صوت نصف المجتمع، ولا عن خبرة أثبتت، مرارًا، أنها قادرة على المنافسة وصناعة الفارق

ميمونة بوكم